، الســـــــلام عليكم ،’،
التـلميذ الشاطر
"حرمني كل مانعمت به من مجد سابق.وفي هزيمتة حرمني لذة الانتصار"
أثناء درسنا اللغوي الاول في الصف الابتدائي السادس كانت المعلمة تعرفنا الى بعض المفردات اللغوية الجديدة، فقالت لنا: "ايجابي. أن يكون المرء ايجابياً يعني أن يملك روح المبادرة وأن يجاهد في سبيل التقدم. من منكم يعرف ماهو الضد لكلمة ايجابي؟"لم يكن هنالك جواب ولكن توجهت النظرات الي لانني منذ حداثتي كنت بطلا في عيون رفقاء صفي. كنت دائما عريف الصف، وسُــمِّت "التلميذ المثالي" سنة بعد سنة حائزاً أعلى العلامات في كل امتحان. أما الآن فصمتُّ منتظراً جواب المعلمة، لانني اذا لم أعرف أنا الجواب فما من احد آخر سيعرفة.
فجأة رأيت يدا مرفوعة. كانت يد " وو كوي فن " وهو فتى هزيل جديد في صفنا. قال: "سلبي." وللحظة تمنيت لو تنشق الارض وتبتلعني، اذ ان ذلك لم يحدث قبلا.
وأخذتني الدهشة وبدت علي أمارات الانفعال.
بعد اسابيع عدة عُــلٍّقت نتيجة الامتحان الشهري الاول، وللمرة الاولى في حياتي حللت في المرتبة الثانية اذ سبقني "وو كوي فن" بسبع نقاط وحصل على علامات كاملة في خمسة مواضيع، فشعرت بالاذلال وبكيت طوال الليل.
ولاحظت سريعا أن احترام رفقاء صفي لي يتضائل، ولم أعد رفيقهم المحبوب ومثلهم الأعلى، لان هنالك من هو احسن مني. وخِــلتُني أنخسف في صدع الأرض، وأقسمت أن أسترد مكانتي المفقودة.
في الشهر التالي أبديت انتباهاً أكثر في الصف، مع انني بين حين وآخر كنت ألتفت الى يساري حيث جلس "وو كوي فن"، فأراه مُـثِّبتاً نظره في المعلمة كانه يحلل مسألة.
ثم أتى الامتحان الشهري الثاني فتفوق عليّ "وو كوي فن" من جديد، مع أنني كنت أصوٍّب الفكر والانتباه الى كل سؤال. فتأخرت عنه هذه المرة بأربع علامات.
ومع مضي الوقت استمرت مكانتي في التأكُّل. وهو تفوَّق علي في كل ما امتزت به سابقاً. وعيّــنه الاستاذ هو ممثلا للصف في مباراتًيْ الخطابة والخط، شارحاً أنه حان الوقت لكي نعطي القادم الجديد فرصة بعدما اشتركت أنا في كثير من هذه المسابقات. وكانت النتيجة أن حاز "وو كوي فن" الاولية في المبارتين.
ولحسن الحظ شاركت "وو كوي فن" في تمثيل صفنا في مباراة الانشاء. لكنني كنت خائفاً جداً، اذ لم يكن بمقدوري أن أخسر مرة أخرى لأنني اذ ذاك لن أستطيع أن أرفع رأسي ثانية.
وكان عنوان موضوع الانشاء "طموحي." فكتبت بعناية: " انني أرغب في أن أصبح طبيباً يوماَ ما، لان في وسع الاطباء أن يخففوا آلام المرضى ويعيدوا الحيوية الى الناس الذين طمسهم اليأس و ..." واسترسلت أسكب مشاعري بجدية وصدق حتى تأثرتُ أنا بما كتبت.
في الاسبوع التالي أعلن مدير المدرسة نتيجة المباراة: "الرابح عن الصف السادس هو "وو كوي فن"، وقد حلّ "هسو هونغ" في المرتبة الثانية."بعد انتهاء كلمة المدير توجهت نحو "وو" متصنعاً ابتسامة وقلت له: "تهانيّ! عن أي طموح كتبت؟"أجاب: "معلم مدرسة ابتدائية. انني رغبت دائما في أن أكون أستاذاً في مدرسة ابتدائية." اذاً هذا ما كان! ان "وو كوي فن" هو حقيقة ماكر بعيد النظر.
* طمـــــوح زائــف! أثناء استراحة الغداء قرأت موضوع "وو" على لوحة الاعلانات. وجاء فيه: "بالنسبة لي، أن أكون معلما هو الامل الأحلى في الحياة. نحن كلنا نحب معلمينا، وأرجو أن أحوز محبة تلاميذي في يوم من الأيام. وأنا أحب مادة اللغة أكثر من جميع المواد، وأرغب في أن أصبح معلم لغة يومــاً..."هذا هو طموحه طبعا! خصوصاً أن حكام مباراة الانشاء هم دائماً معلمو لغات. وماذا يمكن أن يكونوا غير ذلك؟ مدٍّربي رياضة؟ لم يكن الحكام متحاملين فقط، بل حمقى أيضاً.
وكلما مرت الأيام، شعرت بالهزيمة أكثر. واحتل "وو كوي فن" مكاني قرب الضارب في فريق البيسبول (كرة القاعدة) لأن المدرب وجده اكثر رشاقة. ونُقلت أنا الى القاعدة الثانية، وفي كل مباراة كنت ألتمس من الله أن تصدر عن "وو" هفوه، لكنه لم يخطئ قط.
وكانت هنالك مباراة واحدة تقرر ما اذا كانت مدرستنا ستمثل مدينتنا في المباراة الاقليمية بين المدارس. وخلال تلك المباراة بقي التعادل سائداً حتى الجولة الاخيرة، ولم تسجل أي اصابة. ثم أخذ المضرب لاعب من الفريق الآخر ورمى طابة قوية سريعة الدوران أفلتت من يدي الرامي في فريقنا وحلَّت بيني وبين "وو كوي فن" الذي اندفع نحوها وألقى بنفسة على الارض وأمسك بها، وفي مثل غمضة عين تقلّب ووقف على رجلية ثانية ومرر الطابة بدقة الى القاعدة الاولى، فدوت في الملعب صيحات متهللة وهتافات استحسان.
وأخيراً ربحنا المباراة بثلاث نقاط في مقابل واحدة خسرناها بسبب ارتكابي أخطاء عدة. وعندما أخبرت المدرب الرياضي بعد ظهر اليوم التالي برغبتي في ترك الفريق لم يزعج نفسة ليقنعني بالبقاء.
*الســــــاعة المسروقـــــــة. قبل شهر من بدء عطلة الشتاء حصل حدث كبير في الصف اذ فقد زميلنا "فاتي" ساعة يده. ولم يكن يحب أن يحملها، لذا اعتاد أن ينزعها من يده عند وصوله الى المدرسة ويضعها داخل درج طاولة الكتابة. وكانت العادة كلما فقد شيء ثمين أن يفتش الصف كله، وذلك بأن يتحقق كل تلميذ من أمتعة جاره. ولكن مر نصف ساعة ولم يظهر أي أثر للساعة. وعند ذلك نبهنا الاستاذ الى ضرورة الاهتمام أكثر بممتلكاتنا الشخصية في المستقبل، وانتهى الأمر عند هذا الحد.
وبعد اسبوع حصل حادث مماثل، اذ اشتكى رفيق آخر من ضياع قلم حبر. وكالعادة، تحققنا من امتعة جيراننا، ولكن لم يُسترد القلم الضائع قط، وبدلا من ذلك اكتشف تلميذان آخران أنهما أضاعا قلميهما ايضاً. فتصلّب وجه الاستاذ وأخرجنا الى الممشى وقال: "يا أولاد، انني أعرف حيلة سحرية: سأرسم دائرة على راحة اليد اليمنى لكل منكم، وبعد ذلك تطبقون قبضتكم وتدورون حول حرم المدرسة مرة واحدة. وسوف تختفي الدائرة من يد البريء وتبقى في يد المذنب، وسنعرف اللص لدى رجوعكم." وأمرنا بالانطلاق موضحاً أنه يسمح لنا بدخول المرحاض اذا قضت الضرورة.
ذهبت الى المرحاض وألقيت نظرة على الدائرة في راحتي وابتسمت عالماً أن الحمقى فقط سيزيلونها. وعندما رجعنا لم تكن أي دائرة اختفت.
تكلمنا عن هذا الحادث أياماً عدة ثم صرفنا النظر عنه. وبينما كنا نستعد للانصراف ذات يوم توجه "فاتي" نحو الاستاذ وعلائم الحزن على وجهه وقال له: "يا معلمي، لقد ضاعت ساعتي الجديدة التي اشتراها لي أبي بثلاثمئة دولار."وكان تفتيش. وكنت على وشك أن أفتح مقلمة التلميذ الذي بجانبي حين سمعت أحد الرفقاء يصرخ: "يا معلمي، الساعةهنا!" كان "شن تا" يمسك ساعة "فاتي" بيده، وهو أخرجها من حقيبة.........."وو كوي فن"!!
ســاد الغرفة سكون رهيب. وحار كل واحد في أمره فيما احمّر وجه "وو كوي فن" وأطبق يديه بشدة. قال الاستاذ: "يا "وو كوي فن"، تعال الى مكتبي. أما أنتم فيمكنكم أن تذهبوا." تبع "وو كوي فن" الاستاذ وبقينا نحن نتداول ما جرى:
- "ما المنفعة من التفوق العلمي؟ انا أفضل أن احل أخيرا في كل امتحان على ان أسرق."
- "لم يظهر عليه أبداً أنه من ذلك النوع."
- "هاي! وأنا عاملته كأنه صديقي المخلص."
فانزعجت كثيراً ولم أستطع أن اتحمل مزيداً فتوسلت قائلا: "يا رفقاء صفي الاعزاء، نحن غير واثقين حتى الآن بأن "وو كوي فن" مذنب. وإن يكن مذنباً، أفلا ينبغي لنا أن نتعلم التسامح؟" ولكن ما من أحد وافقني.
*طعم الهــــــــــــزيمة. عندما وصلت الى صفنا في اليوم التالي قرأت على اللوح الأسود عبارة "وو كوي فن سافر وقح." وكان "وو كوي فن" جالساً في مقعده مطأطأ الرأس يرتجف في كل ناحية من جسمه، فمحوت الكلمات وأعلنت: "من الآن فصاعداً لايُسمح لأي تلميذ بأن يستعمل اللوح لغير الدرس."ثم دخل الاستاذ الغرفة وقال: "لا اعتقد أن "وو كوي فن" أخذ الساعة البارحة، وآمل ان تثقوا به كلكم." ولكن لم يتحدث أحد الى "وو كوي فن"، بل تكلم الجميع عليه في غيابه. وكنت ادافع عنه كلما سمعت انتقادات بغيضة في حقة.
وبعد ثلاثة أيام قدمنا امتحان نصف السنة. وسارت الامور معي حسناً، وكنت احياناً أسترق النظر الى "وو كوي فن" فأراه جالساً خائر النفس لا يكتب.
وفي يومنا الأخير قبل العطلة عُلقت نتائج الامتحان، فاسترددت مرتبتي الاولى في الصف متفوقاً على "وو كوي فن" بأكثر من 498 علامة. اذ هو حصل على خمسة أصفار. فاستحققت الثناء الفصلي من المعلم ورجعت الى مقعدي مبتسماً.
وبعدما صرفنا الاستاذ وقف "وو كوي فن" أمام الطاولة وقال: "يا رفقاء الصف، لا أتصور أنني سأحضى بثقتكم، وقد قررت أن أرجع الى مدرستي القديمة في الفصل المقبل. لكنني سأتذكركم كلكم كأصدقاء مخلصين. شكراً."
وانقضت أيام عطلة الشتاء. وفي اليوم الاخير تلقيت رسالة من دون طابع بريدي ولا عنوان وعليها اسمي فقط. ففتحتها بسرعه، فمـــــاد رأسي اذ وقع نظري على رسالة بخط يدي كتبت فيها على رأس الصفحة: " خطــــــــة الهجوم على "وو كوي فن". "
كنت خبأت هذه الورقة في مقلمتي، وقد ألقيت عليها نظرة بعد الامتحان. فكيف وجدها من وجدها؟ والتقطت الغلاف بحذر شديد علَّـــني أعرف من هو المرسل، فسقطت منه ورقة زرقاء جاء فيها:
" هسو هونغ، أوليت هذه الورقة كثيراً من التفكير، وقررت أن أرجعها اليك. في أول يوم بعد الامتحان تخلفتُ عن الآخرين لأفكر في طريقة أشرح بها حادث السرقة لرفقاء صفنا، فرأيت ورقة على الأرض. تخيَّل الصدمة التي أصبت بها وكم كنت هائجاً.
لقد بات في امكاني أن أبرئ نفسي، لكني عدلت عن رأيي. فأنا مررت بتجربة قاسية كنت فيها متهماً أمام الجميع، فلماذا أدع صاحبي اللطيف يتعذب هو أيضاً بتجربة مماثلة؟
"فيا هسو هونغ، ان الغلط من طبيعة الانسان. وسنظل أصدقاء. وأنا أتمنى لك فصلا جديدا ناجحاً.
صديقك المخلص : وو كوي فن"
انحدرت الدموع على خدي، وذقت للمرة الاولى طعم الهزيمة الحقة.
المؤلف: فو فنغ تشي
مجلة المختار اللبنانية - أيلول 1991 صفحة: 50
التـلميذ الشاطر
"حرمني كل مانعمت به من مجد سابق.وفي هزيمتة حرمني لذة الانتصار"
أثناء درسنا اللغوي الاول في الصف الابتدائي السادس كانت المعلمة تعرفنا الى بعض المفردات اللغوية الجديدة، فقالت لنا: "ايجابي. أن يكون المرء ايجابياً يعني أن يملك روح المبادرة وأن يجاهد في سبيل التقدم. من منكم يعرف ماهو الضد لكلمة ايجابي؟"لم يكن هنالك جواب ولكن توجهت النظرات الي لانني منذ حداثتي كنت بطلا في عيون رفقاء صفي. كنت دائما عريف الصف، وسُــمِّت "التلميذ المثالي" سنة بعد سنة حائزاً أعلى العلامات في كل امتحان. أما الآن فصمتُّ منتظراً جواب المعلمة، لانني اذا لم أعرف أنا الجواب فما من احد آخر سيعرفة.
فجأة رأيت يدا مرفوعة. كانت يد " وو كوي فن " وهو فتى هزيل جديد في صفنا. قال: "سلبي." وللحظة تمنيت لو تنشق الارض وتبتلعني، اذ ان ذلك لم يحدث قبلا.
وأخذتني الدهشة وبدت علي أمارات الانفعال.
بعد اسابيع عدة عُــلٍّقت نتيجة الامتحان الشهري الاول، وللمرة الاولى في حياتي حللت في المرتبة الثانية اذ سبقني "وو كوي فن" بسبع نقاط وحصل على علامات كاملة في خمسة مواضيع، فشعرت بالاذلال وبكيت طوال الليل.
ولاحظت سريعا أن احترام رفقاء صفي لي يتضائل، ولم أعد رفيقهم المحبوب ومثلهم الأعلى، لان هنالك من هو احسن مني. وخِــلتُني أنخسف في صدع الأرض، وأقسمت أن أسترد مكانتي المفقودة.
في الشهر التالي أبديت انتباهاً أكثر في الصف، مع انني بين حين وآخر كنت ألتفت الى يساري حيث جلس "وو كوي فن"، فأراه مُـثِّبتاً نظره في المعلمة كانه يحلل مسألة.
ثم أتى الامتحان الشهري الثاني فتفوق عليّ "وو كوي فن" من جديد، مع أنني كنت أصوٍّب الفكر والانتباه الى كل سؤال. فتأخرت عنه هذه المرة بأربع علامات.
ومع مضي الوقت استمرت مكانتي في التأكُّل. وهو تفوَّق علي في كل ما امتزت به سابقاً. وعيّــنه الاستاذ هو ممثلا للصف في مباراتًيْ الخطابة والخط، شارحاً أنه حان الوقت لكي نعطي القادم الجديد فرصة بعدما اشتركت أنا في كثير من هذه المسابقات. وكانت النتيجة أن حاز "وو كوي فن" الاولية في المبارتين.
ولحسن الحظ شاركت "وو كوي فن" في تمثيل صفنا في مباراة الانشاء. لكنني كنت خائفاً جداً، اذ لم يكن بمقدوري أن أخسر مرة أخرى لأنني اذ ذاك لن أستطيع أن أرفع رأسي ثانية.
وكان عنوان موضوع الانشاء "طموحي." فكتبت بعناية: " انني أرغب في أن أصبح طبيباً يوماَ ما، لان في وسع الاطباء أن يخففوا آلام المرضى ويعيدوا الحيوية الى الناس الذين طمسهم اليأس و ..." واسترسلت أسكب مشاعري بجدية وصدق حتى تأثرتُ أنا بما كتبت.
في الاسبوع التالي أعلن مدير المدرسة نتيجة المباراة: "الرابح عن الصف السادس هو "وو كوي فن"، وقد حلّ "هسو هونغ" في المرتبة الثانية."بعد انتهاء كلمة المدير توجهت نحو "وو" متصنعاً ابتسامة وقلت له: "تهانيّ! عن أي طموح كتبت؟"أجاب: "معلم مدرسة ابتدائية. انني رغبت دائما في أن أكون أستاذاً في مدرسة ابتدائية." اذاً هذا ما كان! ان "وو كوي فن" هو حقيقة ماكر بعيد النظر.
* طمـــــوح زائــف! أثناء استراحة الغداء قرأت موضوع "وو" على لوحة الاعلانات. وجاء فيه: "بالنسبة لي، أن أكون معلما هو الامل الأحلى في الحياة. نحن كلنا نحب معلمينا، وأرجو أن أحوز محبة تلاميذي في يوم من الأيام. وأنا أحب مادة اللغة أكثر من جميع المواد، وأرغب في أن أصبح معلم لغة يومــاً..."هذا هو طموحه طبعا! خصوصاً أن حكام مباراة الانشاء هم دائماً معلمو لغات. وماذا يمكن أن يكونوا غير ذلك؟ مدٍّربي رياضة؟ لم يكن الحكام متحاملين فقط، بل حمقى أيضاً.
وكلما مرت الأيام، شعرت بالهزيمة أكثر. واحتل "وو كوي فن" مكاني قرب الضارب في فريق البيسبول (كرة القاعدة) لأن المدرب وجده اكثر رشاقة. ونُقلت أنا الى القاعدة الثانية، وفي كل مباراة كنت ألتمس من الله أن تصدر عن "وو" هفوه، لكنه لم يخطئ قط.
وكانت هنالك مباراة واحدة تقرر ما اذا كانت مدرستنا ستمثل مدينتنا في المباراة الاقليمية بين المدارس. وخلال تلك المباراة بقي التعادل سائداً حتى الجولة الاخيرة، ولم تسجل أي اصابة. ثم أخذ المضرب لاعب من الفريق الآخر ورمى طابة قوية سريعة الدوران أفلتت من يدي الرامي في فريقنا وحلَّت بيني وبين "وو كوي فن" الذي اندفع نحوها وألقى بنفسة على الارض وأمسك بها، وفي مثل غمضة عين تقلّب ووقف على رجلية ثانية ومرر الطابة بدقة الى القاعدة الاولى، فدوت في الملعب صيحات متهللة وهتافات استحسان.
وأخيراً ربحنا المباراة بثلاث نقاط في مقابل واحدة خسرناها بسبب ارتكابي أخطاء عدة. وعندما أخبرت المدرب الرياضي بعد ظهر اليوم التالي برغبتي في ترك الفريق لم يزعج نفسة ليقنعني بالبقاء.
*الســــــاعة المسروقـــــــة. قبل شهر من بدء عطلة الشتاء حصل حدث كبير في الصف اذ فقد زميلنا "فاتي" ساعة يده. ولم يكن يحب أن يحملها، لذا اعتاد أن ينزعها من يده عند وصوله الى المدرسة ويضعها داخل درج طاولة الكتابة. وكانت العادة كلما فقد شيء ثمين أن يفتش الصف كله، وذلك بأن يتحقق كل تلميذ من أمتعة جاره. ولكن مر نصف ساعة ولم يظهر أي أثر للساعة. وعند ذلك نبهنا الاستاذ الى ضرورة الاهتمام أكثر بممتلكاتنا الشخصية في المستقبل، وانتهى الأمر عند هذا الحد.
وبعد اسبوع حصل حادث مماثل، اذ اشتكى رفيق آخر من ضياع قلم حبر. وكالعادة، تحققنا من امتعة جيراننا، ولكن لم يُسترد القلم الضائع قط، وبدلا من ذلك اكتشف تلميذان آخران أنهما أضاعا قلميهما ايضاً. فتصلّب وجه الاستاذ وأخرجنا الى الممشى وقال: "يا أولاد، انني أعرف حيلة سحرية: سأرسم دائرة على راحة اليد اليمنى لكل منكم، وبعد ذلك تطبقون قبضتكم وتدورون حول حرم المدرسة مرة واحدة. وسوف تختفي الدائرة من يد البريء وتبقى في يد المذنب، وسنعرف اللص لدى رجوعكم." وأمرنا بالانطلاق موضحاً أنه يسمح لنا بدخول المرحاض اذا قضت الضرورة.
ذهبت الى المرحاض وألقيت نظرة على الدائرة في راحتي وابتسمت عالماً أن الحمقى فقط سيزيلونها. وعندما رجعنا لم تكن أي دائرة اختفت.
تكلمنا عن هذا الحادث أياماً عدة ثم صرفنا النظر عنه. وبينما كنا نستعد للانصراف ذات يوم توجه "فاتي" نحو الاستاذ وعلائم الحزن على وجهه وقال له: "يا معلمي، لقد ضاعت ساعتي الجديدة التي اشتراها لي أبي بثلاثمئة دولار."وكان تفتيش. وكنت على وشك أن أفتح مقلمة التلميذ الذي بجانبي حين سمعت أحد الرفقاء يصرخ: "يا معلمي، الساعةهنا!" كان "شن تا" يمسك ساعة "فاتي" بيده، وهو أخرجها من حقيبة.........."وو كوي فن"!!
ســاد الغرفة سكون رهيب. وحار كل واحد في أمره فيما احمّر وجه "وو كوي فن" وأطبق يديه بشدة. قال الاستاذ: "يا "وو كوي فن"، تعال الى مكتبي. أما أنتم فيمكنكم أن تذهبوا." تبع "وو كوي فن" الاستاذ وبقينا نحن نتداول ما جرى:
- "ما المنفعة من التفوق العلمي؟ انا أفضل أن احل أخيرا في كل امتحان على ان أسرق."
- "لم يظهر عليه أبداً أنه من ذلك النوع."
- "هاي! وأنا عاملته كأنه صديقي المخلص."
فانزعجت كثيراً ولم أستطع أن اتحمل مزيداً فتوسلت قائلا: "يا رفقاء صفي الاعزاء، نحن غير واثقين حتى الآن بأن "وو كوي فن" مذنب. وإن يكن مذنباً، أفلا ينبغي لنا أن نتعلم التسامح؟" ولكن ما من أحد وافقني.
*طعم الهــــــــــــزيمة. عندما وصلت الى صفنا في اليوم التالي قرأت على اللوح الأسود عبارة "وو كوي فن سافر وقح." وكان "وو كوي فن" جالساً في مقعده مطأطأ الرأس يرتجف في كل ناحية من جسمه، فمحوت الكلمات وأعلنت: "من الآن فصاعداً لايُسمح لأي تلميذ بأن يستعمل اللوح لغير الدرس."ثم دخل الاستاذ الغرفة وقال: "لا اعتقد أن "وو كوي فن" أخذ الساعة البارحة، وآمل ان تثقوا به كلكم." ولكن لم يتحدث أحد الى "وو كوي فن"، بل تكلم الجميع عليه في غيابه. وكنت ادافع عنه كلما سمعت انتقادات بغيضة في حقة.
وبعد ثلاثة أيام قدمنا امتحان نصف السنة. وسارت الامور معي حسناً، وكنت احياناً أسترق النظر الى "وو كوي فن" فأراه جالساً خائر النفس لا يكتب.
وفي يومنا الأخير قبل العطلة عُلقت نتائج الامتحان، فاسترددت مرتبتي الاولى في الصف متفوقاً على "وو كوي فن" بأكثر من 498 علامة. اذ هو حصل على خمسة أصفار. فاستحققت الثناء الفصلي من المعلم ورجعت الى مقعدي مبتسماً.
وبعدما صرفنا الاستاذ وقف "وو كوي فن" أمام الطاولة وقال: "يا رفقاء الصف، لا أتصور أنني سأحضى بثقتكم، وقد قررت أن أرجع الى مدرستي القديمة في الفصل المقبل. لكنني سأتذكركم كلكم كأصدقاء مخلصين. شكراً."
وانقضت أيام عطلة الشتاء. وفي اليوم الاخير تلقيت رسالة من دون طابع بريدي ولا عنوان وعليها اسمي فقط. ففتحتها بسرعه، فمـــــاد رأسي اذ وقع نظري على رسالة بخط يدي كتبت فيها على رأس الصفحة: " خطــــــــة الهجوم على "وو كوي فن". "
كنت خبأت هذه الورقة في مقلمتي، وقد ألقيت عليها نظرة بعد الامتحان. فكيف وجدها من وجدها؟ والتقطت الغلاف بحذر شديد علَّـــني أعرف من هو المرسل، فسقطت منه ورقة زرقاء جاء فيها:
" هسو هونغ، أوليت هذه الورقة كثيراً من التفكير، وقررت أن أرجعها اليك. في أول يوم بعد الامتحان تخلفتُ عن الآخرين لأفكر في طريقة أشرح بها حادث السرقة لرفقاء صفنا، فرأيت ورقة على الأرض. تخيَّل الصدمة التي أصبت بها وكم كنت هائجاً.
لقد بات في امكاني أن أبرئ نفسي، لكني عدلت عن رأيي. فأنا مررت بتجربة قاسية كنت فيها متهماً أمام الجميع، فلماذا أدع صاحبي اللطيف يتعذب هو أيضاً بتجربة مماثلة؟
"فيا هسو هونغ، ان الغلط من طبيعة الانسان. وسنظل أصدقاء. وأنا أتمنى لك فصلا جديدا ناجحاً.
صديقك المخلص : وو كوي فن"
انحدرت الدموع على خدي، وذقت للمرة الاولى طعم الهزيمة الحقة.
المؤلف: فو فنغ تشي
مجلة المختار اللبنانية - أيلول 1991 صفحة: 50
التوفيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع
mahfoudi12
mahfoudi12